إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
81976 مشاهدة
تصور المريد للولي

...............................................................................


يذكر لنا بعض الإخوة أن عندهم مثل هذا الولي، إذا تزوج أحد بامرأة؛ فإن عليه قبل أن يدخل بها أن يرسل بها إلى ذلك الولي، وتبيت معه ليلة مع الولي، ويطؤها ذلك الولي ليزيل بكارتها!! قبل أن يدخل بها زوجها؛ ليحصل بذلك الزوج على البركة!! يتبرك بأن مسها الولي قبله!! يُشَاهَدُ هذا في كثير من الذين يدعون أنهم على طريقة أهل السر والولاية.
فالإله عندهم -عند أهل زمان المؤلف- هو الولي الذي فيه هذا السر؛ سواء كان حيا أو ميتا، ففي حياته يَتَبَرَّكون به، ويتمسحون به، فيقولون: يا ولي الله! ادع لنا.. يا ولي الله! خذ بأيدينا.. أعطنا، هَبْ لنا..!! وقد لا يكون مسلما حقا؛ فإن كثيرا منهم -من هؤلاء- لا يصلون.. لماذا؟! يقولون: سقطت عنهم التكاليف!!
ذكروا أن أحدهم -أحد هؤلاء السادة- الذين يسمونهم سادة، وأولياء، وأصحاب سر، دخل المسجد يوم الجمعة، والناس يُصَلُّون؛ فبال في المسجد، ثم خرج، ولم يُصَلِّ؛ فتبعوه، وقالوا: هذا ولي!! هذا من الأولياء، هذا قد وصل، وصل إلى الرتبة العالية! لما أنكر بعض العامة عليهم، أو أنكر عليه، قال له خَوَاصُّهُمْ: هذا قد وصل، الشأن فِيَّ وفيك، نحن الذين لا نزال بعيدين!! أما هذا الذي وصل إلى هذه الرتبة؛ فإنه ولي من أولياء الله.
ثم يذكرون أن من خواص الولي إذا مات، ووضع على النعش فإنه من خَوَاصِّهِ -في نظرهم- أن الملائكة تحمله!! يوضع على الأكتاف ويقولون: إننا لا نحس بثقله.. حملته عنا الملائكة! يخيلون إلى أتباعهم أنهم لم يحملوه!! وهذا كله خيال؛ حتى يوهموهم أن هذا من أهل السر، ومن أهل الولاية، ثم بعد دفنه.. لا شك أنهم يعبدونه، ويَدْعُونه، ويصرفون له خالص حق الله، وإن لم يُسَمُّوه إلها، وإنما يسمونه وَلِيًّا، أو صاحب سِرٍّ.
ثم أصحاب هذا السر يَدَّعُون أنهم -هم وأتباعهم- مستغنون عن اتِّبَاع القرآن، وعن اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن لهم أحوالا.. هذه الأحوال هي التي أوصلتهم إلى الرفيق الأعلى؛ حتى لا يَقْبلوا كلام الله، ولا كلام الصحابة، ولا الأحاديث النبوية؛ وإنما يأخذون أسرارهم -في نظرهم-. وفي الأبيات المشهورة التي ذكرها ابن الْقَيِّم في إغاثة اللهفان ذكر قصيدة، أول ما يذكر منها قوله:
ذهب الرجـال, وجال دون مجـالهم
زُورٌ مـن الأوبــاش والْأَنْــذَالِ
زالوا بـأنهـمُ علـى آثـارهـم
ساروا .. ولـكن سـيرةَ الْبَطَّــالِ!
إلى أن قال:
إن قلتَ: قال اللـه, قـال رسوله
همزوك همـز المنكـر المتغالي
أو قلت: قد قال الصحابـة, والذي
تبعوهـمُ فـي القـول, والأفعـال
أو قلت: قـال الآل آل المصطفى
صلى عليـه اللـه أفـضل آلِ
أو قلت: قـال الشافعـي و مـالـكٌ
و أبو حنيفـة والإمـام العـالي
أو قلت: قـال صحابهم مِـنْ بعـدهم
فالكـل عنـدهـم كشـبـه خيـالِ
ما يقبلون شيئا من العلوم المأثورة، ثم قال:
ويقول: قلبـي قـال لـي عن سره
عن سِرِّ سري, عن صفـا أحوالـي!
عن حضرتي عن فكرتي عن خلوتي
عن شاهدي عن واردي عن حـالي!
عن صفو وقتي, عن حقيقة مشهدي
عن سِرِّ ذاتي, عـن صفـات فعـالي
دَعْوَى إذا حـققـتها ألـفـيتَهـا
ألقـاب زور لُـفِّـقَـتْ بـمحـالِ!
هذه حالتهم: قلبي قال لي عن سره!! حدثني قلبي عن ربي!! فأصحاب السر، وأصحاب الولاية غلا فيهم العامة، وسموهم أولياء، وصرفوا لهم خالص حَقِّ الله؛ ولكنهم ما تجرءوا على تسميته آلهة؛ بل سموهم أولياء وسادة، وسموهم أصحاب سر. هذا هو الإله عندهم. حقيقة الإله: التأله. هو ما تفعلونه مع هؤلاء الذين سميتموهم أصحاب سر، الذي يقول أحدهم: حدثني قلبي عن ربي:
ويقول: قلبـي قـال لـي عن سره
عن سِرِّ سري, عن صفا أحـوالـي!
فمثل هؤلاء كثروا في الأزمنة المتأخرة، ولما كثروا وصار لهم أتباع، صار أتباعهم يصرفون لهم العبادة من دون الله. هذا في هؤلاء الذين سموهم أولياء.